مشكلات التسويق المصرفي

بب ضعف المنافسة الذي تميز به القطاع المصرفي في سورية فقد ساهم في الماضي ويساهم في الحاضر بعدم الاهتمام بوضع استراتيجية لتسويق الخدمات المصرفية, فتسويق الخدمات المصرفية اليوم في المصارف السورية لا تعطيه الإدارة أي أهمية.
تعريف التسويق المصرفي
هو مجموعة من الإجراءات يتخذها المصرف بهدف جعل المعروض من الخدمات ملائما لطلب الزبائن, فالتسويق هو نقطة البداية في تخطيط سياسات الإنتاج المصرفي ونقطة النهاية في الحكم عليها لأنه ليس هناك فائدة من إنتاج الخدمات إذا لم تجد لها طريقا إلى المستهلك, ولاسيما أن بقاء المصرف واستمراره مرتبط بقدرته على إنتاج الخدمات التي يحتاجها المستهلك باعتباره سيد السوق.
إذا كنا نهدف في سورية إلى بناء قطاع مصرفي قوي يغذي بقية القطاعات الاقتصادية بما تحتاجه من تمويل فإن هذا البناء لن يكون قويا إذا لم تحظ الدراسات التسويقية بالأهمية المناسبة.
تخلف التسويق في المصارف السورية
إن أي باحث ومهتم بالاقتصاد السوري يجد مادة علمية غزيرة توصف بنية هذا الاقتصاد وتعرض مشكلات النمو الاقتصادي وتعثر عمليات الإصلاح الاقتصادي والمصرفي وتوضح الأسباب الكامنة خلف هذا التعثر وتقدم الحلول والوسائل التي يمكن أن تساعد في توجيه القائمين على التخطيط.
إلا أن المجال الذي ما زال يعاني من قلة الدراسات العلمية في سورية هو المجال المتصل بمشكلات وأبحاث تسويق الخدمات المصرفية.
ونستطيع أن نرد أسباب تخلف تسويق الخدمات المصرفية في سورية إلى:
1- المشكلات المتعلقة بطبيعة التسويق وبظروفه البيئية:
فمشكلات التسويق ليست محسوسة ولا تظهر إلا في المدى الطويل فجأة وتتأزم بسرعة بعد أن تتكدس الودائع (المنتجات) ويتعذر تصريفها, أما ما يخص ظروف بيئة التسويق, فنلاحظ اختلالا في العلاقة التي تربط بين المنتجات المصرفية المتوافرة في السوق السوري والتسويق وما يتطلبه من طرق اتصال. هذا إلى جانب التبدل المستمر والمتضارب أحيانا في القوانين والأنظمة التي تحكم العمليات المصرفية, ما يؤدي إلى تعزيز عوامل عدم التأكد فأحيانا نلاحظ زيادة الطلب على السيولة وأحيانا أخرى زيادة العرض مع ما ينجم عن ذلك من آثار تراكمية سلبية على طرفي العلاقة: المصرف والمستهلك.
2- المشكلات المتعلقة بالعقلية الإدارية في المصارف السورية:
إن الابتعاد حتى الآن في المصارف السورية عند إعداد سياسات مصرفية لتسويق الخدمات يمكن إرجاعه إلى عدم تفهم القائمين على الإدارة أهمية التسويق وهذا نتيجة لضعف الكفاءات الإدارية المصرفية.
2- ضعف المنافسة المصرفية في السوق السوري:
تتسم السوق المصرفية السورية بضعف درجة المنافسة أو حتى بغياب المنافسة بين المصارف, فالمصارف السورية مصارف متخصصة كل منها يحتكر نشاطا محددا ولا ينافسه عليه المصرف الآخر, وبالتالي كل مصرف ينتظر المستهلكين ولا يبحث عنهم فهم مجبرون غير مخيرين في التوجه إليه, بينما نجد المصارف الحديثة تبحث عن المستهلك لخدماتها وتسعى إلى إرضاء وإشباع رغبات هذا المستهلك وتنظر إليه على أنه سيد السوق, المصارف الحديثة تسعى دائما إلى تطوير منتجاتها وزيادة جودة هذه المنتجات بينما في المقابل نجد أن المصارف السورية لا تهتم بالجودة لهذه الخدمات ولا بالمستهلك لها, وهنا لابد لنا أن نشير إلى أن بقاء المصارف السورية ضمن هذا المربع المتخلف المشار إليه سابقا سيجعلها تخسر السوق المحلي عند اشتداد عود المصارف الأجنبية الخاصة العاملة في سورية.
4- اللامبالاة بأذواق المستهلكين:
في العادة خطط التسويق المصرفي تبدأ من اعتبار المستهلك سيد السوق وتحاول التركيز على معرفة الأسباب التي تدفع بهذا المستهلك لاختيار منتج معين أو تلك الأسباب التي تجعله يفضل التعامل مع مصرف معين, فهذه النقاط أساسية للاستمرار والنمو بالنسبة للمصرف, فالمصارف السورية لا تولي هذا الجانب أي أهمية تذكر, فهي لا تملك أصلا جهة محددة بعينها تتولى الاهتمام بأمور التسويق والاهتمام بمتطلبات المستهلكين وهذا عائد إلى الموقع الاحتكاري الذي تتبوؤه وإلى غياب الرؤية حول هذا الموضوع.
وضع خطة تسويق مصرفية
إن وضع خطة لتسويق الخدمات المصرفية يتم وفق خطوات منطقية متسلسلة تتناسب مع أوضاع السوق السوري, في هذا السياق سنعرض في البداية للميزة النوعية لسوق المنتجات المصرفية وفي المرحلة التالية سنتناول مراحل وضع خطة لتسويق المنتجات المصرفية.
1- الميزة النوعية لسوق الخدمات المصرفية:
يمكن تناول هذه الميزة من خلال توضيح مفهومي عرض وطلب الخدمات المصرفية:
1- عرض الخدمات المصرفية:
المصرف هو عبارة عن مشروع منتج لخدمات متعددة, فهي تشمل أنماطا مختلفة وقد تكون متجانسة وغير متجانسة, فالمصرف الحديث اليوم يقدم الخدمات المصرفية التقليدية بالإضافة إلى الخدمات التأمينية وكل العمليات الأخرى التي تجري ضمن أسواق المال.
إن صناعة أي خدمة مصرفية تتم بالاعتماد على العناصر الثلاثة التالية: دعم مادي, الموظفون, والمستهلك والشكل التالي يوضح الأمر بصورة أكبر:

فالمنتجات المصرفية تتميز بأنها غير مادية فهي غير قابلة للتآكل وتعمر ببطء وهي غير قابلة للتخزين وهي متجانسة من حيث الشكل من مصرف إلى آخر, كما أن الخدمات المصرفية تعرض مباشرة على المستهلك ودون الحاجة إلى وجود وسيط بين المستهلك والمصرف كما هو الحال في المشاريع الإنتاجية (تاجر جملة, مفرق...), كما أن المصرف يجب أن يقيم علاقات شخصية مع كل المستهلكين لخدماته.
2- طلب الخدمات المصرفية:
فيما يتعلق بجانب طلب الخدمات المصرفية العديد من النقاط تستحق التركيز عليها ومن هذه النقاط نذكر:
آ- عدم تجانس الطلب:
الطلب على المنتجات المصرفية يخص مستهلكين كل منهم يختلف عن الآخر, فهناك الزبون العادي بالإضافة إلى وجود مشاريع متوسطة وصغيرة وأيضا كبيرة وأخرى متعددة الجنسيات, فحاجات هؤلاء الطالبين للخدمة المصرفية مختلفة جدا فيما بينها, فالمصرف يجب أن ينتبه إلى عدم التجانس هذا وأن يعمل على تقسيم الزبائن إلى مجموعات وهذا التقسيم هو في غاية الأهمية عند توظيف الأدوات التسويقية وعند إعداد الخطط التسويقية.
ب- استقرار الطلب:
الاستقرار في الطلب يعود إلى الاستقرار في العلاقة على المدى البعيد والتفاعل المباشر بين المصرف والمستهلك, وهذا الأمر يعود بالنفع على كلا الطرفين, فمثلا فيما يتعلق بالقروض, إقامة علاقات مستقرة بين المقترض ومصرفه يسمح بامتلاك معلومات صحيحة ومفيدة عن ملاءة المستهلك: هل المستهلك يحترم دائما التزاماته؟ ما الكفاءة التي يتمتع بها المستهلك والتي تساعد على نجاح مشروعه؟
أما من جهة المستهلك فهذه العلاقة المستقرة مفيدة له وخاصة في الحالة التي يتعرض فيها إلى مشكلات مالية طارئة فإنه يستطيع وبسهولة اللجوء إلى مصرفه لسد حاجاته المالية.
2- ما مراحل وضع خطة تسويق مصرفي؟:
يجب أن تتميز أي خطة مصرفية في مجال تسويق الخدمات المصرفية بالتسلسل المنطقي لمراحل التنفيذ, ومن خلال المخطط التالي يمكن لنا أن نعرض مخطط الاستراتيجية التسويقية للخدمات المصرفية:
سنتعرض بالشرح بشكل مختصر لبعض هذه النقاط مثل تحليل المعطيات الخارجية والأهداف والبرمجة ومراقبة النتائج.
أولا - تحليل المعطيات الخارجية:
إن تحليل المعطيات الخارجية يهدف بصورة أساسية إلى فهم السوق ومن ثم تزويده بما يحتاج إليه, وهذا التحليل يعتمد أدوات متنوعة نذكر منها:
1- ملفات المستهلكين والمعلومات المتجمعة نتيجة العلاقات المباشرة بين المصرف وزبائنه, إن إدارة العلاقة بين المصرف وزبائنه تعتبر عنصرا أساسيا وحاسما في إنجاح السياسات التسويقية للخدمات المصرفية, فالمصرف الذي يمتلك قاعدة للمعلومات عن زبائنه محدثة باستمرار يستطيع دراسة وفهم السوق باستمرار وبسرعة, وهذا أيضا هذا يسمح له بإعداد سياسات تجارية ذات أهداف محددة بدقة كما يسمح له بمعرفة سريعة لنتائج سياساته المطبقة.
2- تقسيم المستهلكين:
تقسيم المستهلكين إلى مجموعات يسمح بتأليف فئات متجانسة وفق معيار معين وهذا يسمح بدوره للمصرف بتبني سياسات تجارية محددة لكل فئة بعينها.
التسويق المصرفي يعتمد عادة على عدد كبير من المعايير لتقسيم المستهلكين:
1- التقسيم الاجتماعي - الديمغرافي, يجري هذا التقسيم بالاعتماد على متغيرات احصائية سهلة الاستعمال: العمر, الدخل, الحالة الاجتماعية, المهنة...
2- التقسيم الاجتماعي - الثقافي ونمط الحياة.
3- التقسيم وفق نمط السلوك وكيفية التعامل مع المنتجات المصرفية.
3- الحاجات والدوافع:
بعد تقسيم المستهلكين إلى فئات, يجب العمل وتحديد حاجات ودوافع كل فئة ومن ثم تحليل هذه الحاجات والدوافع وهذا كله بهدف سد هذه الحاجات عن طريق منتج موجود وخلق منتج جديد, فإذا تلمسنا أن هناك حاجة مالية عند فئة من المستهلكين بدافع امتلاك السكن فإننا ببساطة نسعى إلى تقديم منتج مناسب وهو القروض العقارية, أما إذا كانت الحاجة هي ضمان مستقبل مالي مستقر والدافع الحالي لذلك هو وجود ادخار سائل متاح فإننا يجب أن نقدم منتجات مصرفية تتعلق بالادخار طويل الأجل وبعوائد مناسبة... وهكذا دواليك.
4- تحديد الأهداف:
بعد أن يجري المصرف الدراسة الكافية للنقاط سابقة الذكر ويتيقن من امتلاكه للكادر البشري المناسب وأيضا التقنيات اللازمة, يمكنه التوجه إلى اختيار فئة محددة من المستهلكين ويعمل على تشكيل وإعداد سياسته التجارية, وهذه السياسات التجارية يجب أن تكون متناسقة ومنسجمة فيما بينها.
5- مرحلة البرمجة:
في هذه المرحلة يجب على المصرف التحديد الدقيق لأدوات السياسة التسويقية.
6- مرحلة مراقبة النتائج:
الهدف من مراقبة النتائج هو التأكد من أن الخطة المنفذة متوافقة مع الغاية النهائية لها, وكل اختلال بين ما هو مخطط وما هو محقق يجب أن يخضع لتحليل معمق للوقوف على الأسباب المؤدية لذلك, وهذا التحليل يقود إلى إعادة التأكد من توافق الغايات والوسائل الموظفة للوصول إليها.

خاتمة

المصارف الحديثة اليوم تولي جانب تسويق الخدمات المصرفية أهمية كبيرة ولديها أقسام متخصصة في هذا المجال وهي في حال تفاعل وتطور مستمرين بينما نجد مصارفنا اليوم غارقة في الجزئيات ومبتعدة كثيرا عن الأسس والمعايير الدولية المعتمدة في النشاط المصرفي, فهذه المصارف لا تزال في مراحل بدائية العمل المصرفي وهي أقرب إلى (دكاكين) مصرفية منها إلى مصارف مقارنة بما هي عليه المصارف الأجنبية.
بعد سنوات عديدة من بدء ما يسمى الإصلاح المصرفي, نجد أنفسنا اليوم بحاجة إلى إصلاح ما تم إصلاحه. كم نحن بحاجة إلى إصلاح الذهنية في الإدارات المصرفية قبل البدء بعمليات إصلاح النظام المصرفي, فغالبا نلاحظ غياب الرؤية الواضحة لعملية النهوض المصرفي وهذا عائد إلى غياب الكادر الإداري المصرفي المؤهل وإلى سيطرة الروتين والمعوقات الإدارية والتشريعية.
ما زالت المصارف السورية العامة تنفذ ما يملى عليها من الجهات الوصائية ولا تقوم بوضع أي سياسة لتسويق الخدمات المصرفية, فهي لا تعطي أهمية تذكر لهذا الجانب وهذا بالطبع يعود إلى ضعف الثقافة المصرفية لدى الكادر الحالي وقديما قيل (من جهل شيئا عاداه), فالإدارات المصرفية الحالية بحاجة ماسة لاستدراك هذا النقص والتركيز والاهتمام بوضع سياسات تسويقية والبداية تكون بإعادة برمجة الذهنية المصرفية الموجودة حاليا لدى جهات مشهود لها في هذا المجال كالأوروبيين مثلا وخاصة السويسريين.

د. أسامة سعيد