الأميرة
فاطمة إسماعيل(1853-1920) هى إحدى بنات الخديوى إسماعيل، تزوجت عام 1871 من الأمير طوسون بن محمد سعيد باشا والى مصر، وانفردت بين أخواتها بحبها للعمل العام، وحرصها على المساهمة فى أعمال الخير، ورعاية الثقافة والعلم وكان ابنها الأمير عمر طوسون أكثر أمراء أسرة محمد علي إقبالاً على العمل العام، وتجاوبا مع الحركة الوطنية، ورعاية للعلم وتشجيعا للعلماء، ويعكس هذا تأثره بأمه راعية للعلم والثقافة.
لذلك عندما أطلعت الأميرة فاطمة على الصعوبات التى تعانيها الجامعة المصرية عن طريق طبيبها الخاص محمد علوى باشا(عضو مجلس الجامعة المصرية) بادرت الأميرة بإقالة الجامعة من عثرتها المالية، فأوقفت مساحة من أراضيها الزراعية على الجامعة حتى تجرى ريعها على الجامعة فتضمن بذلك مصدرا للتمويل، كما تبرعت بجواهرها الثمينة لتوفر للجامعة لتوفر للجامعة سيولة مالية عاجلة، وأمتد كرمها إلى منح الجامعة مساحة من الأرض ليقام عليها الحرم الجامعى، وشاركت فى وضع حجر الأساس للجامعة، وانتقلت إلى رحمة الله قبل أن ترى صرح الجامعة وقد شيد ومنارتها تسطع بنور العلم على مصر والوطن العربي.
الأميرة فاطمة إسماعيل ومشروع الجامعة
ولم يكن الأمر ليمضى على هذه الوتيرة طويلا، لأنه حتما كان سيعرض مشروع الجامعة للتوقف، وهنا تبرز مساهمة الأميرة فاطمة ابنة الخديوى إسماعيل، وفى هذا الوقت العصيب الذى مرت به الجامعة. فقد أعلنت الأميرة فاطمة عن رغبتها فى المساهمة الكفيلة بضمان استمرار المشروع، وكذا توطيد أساس جميع أركانه.
فقد كانت الدار التى تقيم فيها الجامعة ليست ملكا لها، وكانت تنفق فى كل عام لإيجارها أموالا كثيرة، بلغت فى العام الواحد 400 جنيها، وكانت الجامعة فى حاجة إليها، لإنفاقها فى سبل أخرى، كالإرساليات والتعليم وغير ذلك، هذا بالإضافة إلى أن هذه الدار (وكان موقعها مقر الجامعة الأمريكية الآن) لا تفى بحاجاتها، ولا تصلح لأن تكون مقرا ثابتا لها، كما كان صاحبها "جناكليس" غير راغب فى استغلالها على سبيل الإيجار، وإنما كان يريد بيعها سواء للجامعة أو لغيرها، حتى لقد تدخل الأمير أحمد فؤاد، وطلب من "جناكليس" مد عقد الإيجار لأربع سنوات أخرى، فقبل الأخير على أن لا يؤجرها لهم بعد تلك المدة.
وعندما أطلع الدكتور/محمد علوى باشا الأميرة فاطمة (وكان طبيبا خاصا بأسرتها) على هذه الظروف التى تمر بها الجامعة، بالإضافة إلى اختلال ميزانية المشروع التى كانت تهدده بالتوقف إذا استمرت تلك الظروف دون معونة جادة تضمن باستمراره وتقدمه وتوطيد أركانه، أعلنت له أنها على استعداد لبذل ما لديها لأجل ذلك. فأوقفت ستة أفدنة خصتها لبناء دار جديدة للجامعة، هذا بخلاف 661 فدانا من أجود الأراضى الزراعية بمديرية الدقهلية، من ضمن 3357 فدانا خصصتها للبر والإحسان وجعلت للجامعة من صافى ريعها (ريع 3357 فدانا و14 قيراطا و14 سهما) 40% بعد خصم استحقاقات ومرتبات يبلغ مجموعها 5239 جنيها كل سنة، وقدر إيراد هذه الوقفية بميزانية الجامعة بمبلغ 4000 جنيها سنويا.
تصميم أبنية الجامعة
وما كادت تزف هذه البشرى، حتى بادرت الجامعة بمخابرة مهندسين وطنيين مشهود لهم بالخبرة والبراعة، وهم صابر صبرى باشا، ومحمود فهمى بك، وغيرهما، ورجت منهم أن يضعوا رسما للجامعة، فواظبوا على العمل، تطوعا منهم لخدمة الجامعة، إلى أن أبرزوا رسما على طراز الجامعات الحديثة، عرض بعد ذلك على لجنة مؤلفة من حضرات مستر بويد كارتيز مفتش أول نظارة المعارف العمومية، والمستر بتس مدير البلديات بنظارة الداخلية، ومستر سيتون المهندس المعمارى، فوافقوا عليه، وتقرر المشروع فى بناء القسم الأول من هذا الرسم، وتبلغ مساحته نحو أربعة آلاف مترا، ويشتمل على مركز الإدارة العامة، ومجال تدريس العلوم الأدبية والقانونية، وغيرها من العلوم التى لا تحتاج إلى تمرينات عملية، وأن يكون على طراز عربى جميل.
أما الأقسام الأخرى، وعددها ستة، فستشرع الجامعة فى بنائها كلما مست الحاجة، وسمحت به مواردها، وهى قسم للعلوم الطبيعية، وآخر للعلوم الكيميائية، وثالث لعلم طبقات الأرض والمعادن، ورابع لعلم الحيوان والتشريح المقارن، وخامس لدراسة النباتات تلحق به حديقة خاصة بالنباتات الوطنية والأجنبية، وتشتمل كل قسم من هذه الأقسام على قاعات التدريس الخاصة بهذه العلوم، ومعامل للتجارب، وبكل منها مكتبة للكتب اللازمة لمراجعة المشتغلين به، وسادس لمكتبة الجامعة، مع قسم خاص بالمستندات والآثار الخطية، والمسكوكات، وبناء خاص لسكنى رئيس الجامعة (Recteur) وسكرتيرها العام.
الاحتفال بوضع حجر الأساس لمشروع الجامعة
وقد أجرت الجامعة احتفالا بوضع حجر الأساس لها فى يوم الاثنين الموافق 3 جمادى الأول 1322هـ / 31 مارس 1914م، فى الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وذلك فى الأرض التى وهبتها دولة الأميرة فاطمة.
وتصدر الاحتفال سمو الخديوى عباس حلمى الثانى، ووضع الحجر الأساس بيده الكريمة، بحضور الأمراء والنظار، وفضيلة قاضى مصر، وشيخ الجامع الأزهر، وأكابر العلماء، وقناصل الدول، ورئيس وأعضاء الجمعية التشريعية، وذوى المقامات وأصحاب الصحف والأدباء فى مصر.
ولم يحضر هذا الاحتفال جناب اللورد كتشنر، ولا قائد جيش الاحتلال، كما أنهما لم يعتذرا.
ولقد كتب على الحجر الأساس هذه العبارة :
"الجامعة المصرية، الأميرة فاطمة بنت إسماعيل، سنة 1332 هجرية"، وأودع الحجر بطن الأرض، ومعه أصناف العملة المصرية المتداولة، ومجموعة من الجرائد التى صدرت فى يوم الاحتفال، ونسخة من محضر وضع الحجر الأساس، الذى توج بتوقيع الخديوى، وصاحبة الدولة والعصمة المحسنة الكبيرة الأميرة فاطمة، وتلاهما فى التوقيع دولة الأمير "أحمد فؤاد باشا" رئيس شرف الجامعة، فرئيس وأعضاء مجلس إدارتها.
الأميرة فاطمة تتبرع بمجوهراتها
وأعلنت الأميرة فاطمة أن سائر تكاليف البناء سوف تتحملها كاملة والتى قدرت آنذاك بـ26 ألف جنيها، وذلك بعرض بعض جواهرها وحليها للبيع. وكانت قد أهدتها للمشروع، وأن على إدارة الجامعة أن تتولى بيعها وفقا لما يتراء لمصلحة الجامعة. فعندما عرضوها بالجامعة لم يتم التوفيق فى بيعها، فاتخذوا قرارا بأن يعرضوها للبيع خارج القطر المصرى وتشتمل هذه الجواهر على ما يأتى :
- عقد من الزمرد، يشتمل على قطع، حول كل قطعة أحجار من الماس البرلنت أصله هدية من المرحوم السلطان عبد العزيز، إلى ساكن الجنان المغفور له إسماعيل باشا.
- أربع قطع موروثة من ساكن الجنان المغفور له سعيد باشا، وهى :
أ) سوار من الماس البرلنت، تشتمل على جزء دائرى، بوسطه حجر، وزنه تقريبا 20 قيراطا، حوله 10 قطع كبيرة، مستديرة الشكل، والسلسلة التى تلتف حول المعصم، مركبة عليها 18 قطعة كبيرة، 56 قطعة أصغر منها حجما، وكلها مربعة الشكل.
ب) ريشة من الماس البرلنت على شكل قلب يخترقه سهم، مركب عليها حجارة مختلفة الحجم.
ج) عقد يشتمل على سلسلة ذهبية، تتدلى منها ثلاثة أحجار من الماس البرلنت، وزن الكبير منها تقريبا 20 قيراطا، والصغيران يقرب وزن كل منهما من 12 قيراطا.
د) خاتم مركب عليه فص هرمى من الماس يميل لونه إلى الزرقة.
وكانت الجامعة قد أوكلت للدكتور محمد علوى باشا (طبيب الأميرة فاطمة) عملية بيع المجوهرات، وتمكن محمد علوى باشا من بيعها بسعر مناسب جدا عاد على الجامعة بالنفع الكبير، فقد بلغ إجمالى بيعها حوالى 70000 جنيها مصريا على التقريب، وقد تم الاتفاق مع راغب الشراء والذى أناب عنه بنك الأنجلو إجيبشيان بمصر، ليتسلم الجواهر، ويدفع الثمن، ولكن هذا البنك أراد أن يتسلم الجواهر بغير تعيين نوعى لها، ولا تقدر ثمنها، فرفضت الجامعة التسليم بهذه الكيفية، إلى أن كتب للجامعة بما فيه رفع المسئولية عنها بمجرد التسليم للبنك، فيتم تسليم الجواهر وتسلم الثمن.
ومن فيض كرم الأميرة فاطمة إسماعيل أنها أعلنت تحملها كافة نفقات حفل وضع حجر الأساس، والذى كان سيحمل الجامعة نفقات كبيرة، وخاصة أن الخديوى عباس حلمى الثانى كان قد أعلن أنه سيحضر حفل الافتتاح هو والأمير أحمد فؤاد. وقد نشرت إدارة الجامعة بيانا فى جميع الجرائد اليومية المحلية تحت عنوان "نفقات الاحتفال بوضع حجر الأساس لدار الجامعة، وهذا نصه:
"أبت مكارم ربة الإحسان، صاحبة العصمة، ودولة الأميرة الجليلة فاطمة هانم أفندم، كريمة المغفور له إسماعيل باشا الخديو الأسبق، إلا أن تضيف أية جديدة من آيات فضلها، فأمرت بأن تكون جميع نفقات الحفلة، التى ستقام لوضع حجر الأساس لدار الجامعة، فى إرسال تذاكر الدعوة. ونظرا لتنازل الجناب العالى بوعد سموه بتشريف هذه الحفلة قد أوصت دولتها بمزيد العناية بترتيب الزينة، مما يليق بمقام سمو الأمير عزيز مصر. ومجلس إدارة الجامعة، لا يسعه تلقاء هذه المآثر العديدة إلا تقديم عبارات الشكر الجزيل، بلسان الأمة، على النعم الكثيرة، التى أغدقتها صاحبة هذه الأيادى البيض فى سبيل العلم، ويسأل الله أن يطيل حياتها، ويتولى مكافآتها عليها بالإحسان".