لاشك ان تربية الصغار مهمة شاقة تحتاج للمزيد من الجهد والصبر, وفوق ذلك كله المزيد من الحب. صحيح ان كل اولياء الامور يحبون اطفالهم كما هو شأن الوالدين في اي مكان من العالم, ولكن للاسف الشديد ومع كل نوايا الحب التي تملأ القلوب يقع الوالدان احيانا في اخطاء تثير استياء اطفالهم, خصوصا الاطفال البدناء, ومن غير قصد او انتباه يحدث الضرر للطفل البدين بحيث تصبح الحياة اصعب بالنسبة له, وها هنا ثلاث رسائل هامة اتمنى ان يصل تأثيرها فتساعد اطفالنا البدناء:
الرسالة الأولى
اذا تحلى طفلك بأي درجة من درجات التنشئة الاجتماعية, واذا بدأ استيعاب الثقافة الشعبية الدارجة, وسارع في التفاعل مع جماعات الاقران »من نفس عمره«, فإنه سيعرف ان جسمه مختلف عمن حوله, صحيح ان الاطفال الاصغر ليس لهم القدرة على التعبير بالكلام عن ذلك, لكن مع هذا بدأ العمر الذي يكره فيه الطفل جسمه ويعبر عن هذه الكراهية يصغر شيئاً فشيئاً بسبب نمو الوعي وذيوع الاعلام في كل مكان, حتى الاطفال غير البدناء لم يعودوا على وئام مع اجسامهم.
لذلك فإن اطفالنا ليسوا بحاجة لأن نخرج قائلين لهم انهم »مشوهون بسبب البدانة« فالاطفال يريدون ان يعرفوا انك والدهم تحبهم حباً غير مشروط, ووفق اعمارهم قد لا يكون لديهم سوى مهارات هامشية للتفرقة بين الاجسام التي يعيشون فيها وبين الاشخاص الذين هم عليه, فاذا قلت لطفلك ان هناك خطأ ما في جسمه سيعتبر ان الخطأ فيه هو, وتذكر ان الاطفال ليسوا متمكنين من الدهاء والكياسة بحيث يفرقوا بين اجسامهم وذواتهم.
الرسالة الثانية
لا تخبر اطفالك انهم غير جائعين, فعندما تقول لهم ذلك وانهم لا يشعرون بما يشعرون به, فانك تدمرهم تماماً, وتدمر الرابطة بين العقل والجسم والتي تتطور لدى الطفل, وضع في ذهنك انه لا يوجد بحث حول الآثار طويلة المدى للحمية الغذائية لدى الاطفال تحت سن المراهقة, بل انه لا توجد ابحاث كافية لتحديد نوع الحمية وأثر التغيير الذي تحدثه عند الاطفال في سن المدرسة.
احترم طفلك بما يكفي لكي تصدقه عندما يقول لك شيئاً اساسيا حول جسمه, فهناك اساليب افضل للتفاوض في مثل هذه المواقف عوضاً عن ان تقول له: »لا, أنت لست جائعاً«.
الرسالة الثالثة
لا تعقد صفقات مع اطفالك, لا تعده بأن تدفع له عندما ينخفض وزنه, ولا تعقد معه عملية تجارية على اساس الارطال المفقودة, مع ان ذلك قد يبدو تقوية ايجابية بالطريقة ذاتها التي تحاول ان تقوي الدرجات المدرسية او اكمال المشاوير, لكن ذلك يشعر الاطفال بخيبة الامل, والفشل, والخزي, لأنهم عندما لا يفقدون الوزن ولا تنخفض اوزانهم لأن اجسامهم في حالة انتقال مستمرة, فتصل لهم الرسالة كأنها »انتم الملومون شخصياً« خصوصا اذا كان الامر ممزوجاً بكراهية الوالدين, فسيغلف الخزي حياة الطفل بسبب الفشل في السيطرة على اجسامهم, فلا تشغل بالك بهذا الامر, فهي تنمو وتتطور ولا تهتم اذا زاد وزن الصبيان كمؤشر للبلوغ, ولا تأبه لظهور النمو المفاجئ والتغييرات في الشكل, والتغير في التمثيل الغذائي.
نحن نتفهم مدى قلق الوالدين, فأجهزة الاعلام المحيطة بنا في كل مكان افاضت في طرح مشكلة بدانة الاطفال بما يكفي لكي تمثل قلقا متزايداً, حتى لمن لم يرزقوا بأطفال, وفي العصر الذي يتهم الناس آباء وأمهات الاطفال البدناء بأنهم يسيئون لأطفالهم, فلا عجب ان يتلهف هؤلاء الاشخاص لعمل اي شيء مهما كان للتخلص من هذه الوصمة.
أهم ما يمكن للوالدين فعله للطفل هو أن يعرف الطفل أنه محبوب, مرة اخرى هذا لا يعني ان ننهار مع اطفالنا, لكنه يعني ان نضع مثلاً جيداً بدلاً من الانين حول سمنة وبدانة اطفالنا, وقد يعني ذلك ان نعلم اطفالنا ان التمرينات البدنية تجعل اجسامهم تتحسن بصرف النظر عن الشكل العام للجسم, المسألة ليست عقاباً على جسم غير متناسق, بل ان تعلم اطفالك ان هناك كثيراً من الاطعمة المختلفة في العالم وان تناول الاطعمة الصحية يجعل جسمك يشعر بالتحسن والعافية بصرف النظر عن حجم ذلك الجسم.
لا تضع وزن الطفل مؤشراً عاماً على صحته, او أنه دليل على قيمته وجدارته, فأنت والده والدته, والطفل يتوق لمحبتكما, وربما لا يعرف الطفل كيف يعبر عن هذه الحاجة, وعليك الا تتلاعب بكلمات التورية للتعبير عن استهجانك للطبق الممتلئ امام الطفل, وتعبر عن خجلك من جسمه, وبدلاً من ذلك عليك احترام ذات الطفل حتى تنمو شخصيته قوية بلا خلل.
* عن "الغارديان"