«فتوش» هو اسم الدلع الذي كانت تنادي به من قبل أفراد أسرتها.
أما اسمها الحقيقي فكان فاطمة كمال شاكر، ولدت في الثامن فبراير في الحلمية الجديدة عام 1923، وكان أبوها مهندسا زراعيا في الأرض الملكية، وكان لها خمسة اخوة يكبرونها في العمر.
عرفت شادية الطريق إلى عالم الفن من خلال مسابقة للوجوه الجديدة، نظمها المخرجان علي بدرخان وأحمد كامل مرسي في عام 1946، وعندما وقفت للتمثيل والغناء امامهما، سخر منها المخرج أحمد كامل مرسي وأخبرها انها لا تصلح للفن، وطلب منها الذهاب إلى طبيب لاجراء عملية «اللوز». إلا ان المخرج أحمد بدرخان كان على النقيض من زميله وتحمس لها وقدمها للمخرج حلمي رفلة، الذي تبناها فنيا وأطلق عليها اسمها الفني الذي اشتهرت به «شادية». وقدمها في دور قصير في فيلم «أزهار وأشواك» الذي قامت ببطولته الفنانة مديحة يسري مع يحيى شاهين. وعلى الرغم من عدم نجاح الفيلم جماهيريا عند عرضه، الا ان شادية لفتت اليها الانظار بشدة ببراءتها وملامحها الرقيقة واسلوبها البسيط المعبر عن سن المراهقة عند البنات.
وكانت السينما في هذا الوقت بحاجة ماسة إلى هذا النوع من النجمات. فقدمها حلمي رفلة بطلة في فيلمه الجديد «العقل في أجازة» مع الفنان محمد فوزي عام 1947 لتنطلق بعدها شادية في عالم التمثيل
وكان العام 1947 أيضاً هو بداية تعارفها علي النجم كمال الشناوي حيث كونا سوياً ثنائي رائع مع مطلع الخمسينات ، حيث بلغ عدد الأفلام التى جمعتهما 25 فيلماً ،حتىإعتقد الكثيرون أن هناك قصة حب بينهما ، و لكنه تزوج أختها عفاف شاكر .
وتشتهر بأدوار الفتاة الدلوعة ولتقدم بعدها عددا كبيرا من الافلام، التي دار معظمها في اطار الفتاة المغلوبة على أمرها ابنة الاسرة المتوسطة، التي تبحث عن الحب وتسعى وراءه في انتظار فارس الاحلام. ومن بين هذه الافلام «بشرة خير» و«الظلم حرام» و«في الهوا سوا» و«لسانك حصانك».
وكان العام 1952 أغزر أعوام شادية الفنية حيث قدمت فى هذه السنه 13 فيلماً ، أى أنها كانتتشترك فى فيلم جديد كل شهر ، ولم يضاهيها فى هذا الرقم سوى إسماعيل يس فى قمة مجده.
وفي ذات العام أيضاً تقابلت شادية مع عماد حمدى فى فيلم "قطار الرحمة" والذى كان له أهداف إنسانية عميقة و أشترك فيه عدد كبير من الفنانين ، و تزوجا أثناءتصوير مشاهد فيلم "أقوى من الحب" بالإسكندرية عام 1953 ، و كان يكبرها بحوالى 23عاماً ، ودام الزواج 3 سنوات لينتهى نهاية هادئة بالإنفصال.
وفي عام 1954، قدمت شادية مع المخرج عاطف سالم فيلم «ليلة من عمري» والذي كان بمثابة تحول في مسيرة شادية الفنية، حيث يعد اول فيلم تتمرد فيه على دور البنت الدلوعة لتقدم شخصية الفتاة المقهورة، التي تواجه ظروف حياتها الصعبة.
بعدها قدمت شادية فيلم «شاطئ الذكريات» عام 1955، مع المخرج عز الدين ذو الفقار. لتؤكد على موهبتها وقدرتها على تجسيد لون مختلف من الأداء وتوجت هذه المرحلة بفيلم «رسالة من امرأة مجهولة»، مع كمال الشناوي وعماد حمدي، الذي قدمت فيه مراحل حياة أم منذ الشباب وحتى الكهولة.
ومع حلول فترة الستينات، شهدت مسيرة شادية تحولا ملحوظا عندما قدمت مع المخرج صلاح أبو سيف فيلم «لوعة الحب» عام 1960، وشاركها بطولته أحمد مظهر وعمر الشريف وجسدت فيه دور زوجة بسيطة يعاملها زوجها بقسوة، فتتعلق بزميل له في العمل لتعاني بعدها الحيرة بين الزوج والعشيق.
وفي عام 1962 فاجأت شادية الجميع بتجسيدها شخصية «نور» بنت الليل في فيلم «اللص والكلاب»، المأخوذ عن رواية الأديب العالمي نجيب محفوظ. وهو الدور الذي لفت الأنظار بقوة لموهبة شادية وقدرتها على تقديم ألوان متعددة من الشخصيات. فقد فوجئ الجمهور بشادية التي اعتادوا عليها في ادوار الفتاة الدلوعة او الزوجة الفاتنة بنت الطبقة المتوسطة، وهي تقدم شخصية فتاة الليل التي تتعلق بحب اللص الخارج على القانون سعيد مهران، الذي جسد شخصيته الفنان الراحل شكري سرحان. وقد أجمع المخرجون والنقاد وقتها ان شادية قدمت وعاشت شخصية بنات الليل كما هي في الحقيقة. دور شادية في هذا الفيلم لم يكن المفاجأة الوحيدة، حيث قامت بانتاجه إلى جانب التمثيل فيه.
في عام 1963 قدمت شادية فيلمين مع المخرج حسن الامام وضعاها في مصاف كبار النجمات. كان الفيلم الاول «زقاق المدق»، الذي يعد ثاني عمل تجسده، مأخوذا عن رواية للاديب نجيب محفوظ الذي قال عنها «لقد كنت أشعر بكل خلجة من خلجات حميدة متجسدة أمامي، على الرغم من تخوفي الشديد من قدرتها على تجسيد الدور عند ترشيحها له»...
أما الفيلم الثاني الذي قدمته في هذا العام فكان «التلميذة».
وفي عام 1966 قدمت شادية فيلم «شيء من الخوف» مع المخرج حسين كمال، الذي يعد من ابرز افلام السينما المصرية وأحد علاماتها الفنية المميزة، وكان من تأليف الأديب ثروت اباظة، وشاركها بطولته الفنان الراحل محمود مرسي. وهو الفيلم الذي اعترضت عليه الرقابة الفنية وقتها، بدعوى ان شخصية عتريس الطاغية، ما هي الا شخصية الرئيس جمال عبد الناصر. الا ان ناصر اجاز عرض الفيلم بعد مشاهدته له، مؤكدا على مستواه الفني الرائع.
علاقة شادية بالسينما الكوميدية علاقة وثيقة وقوية، بعدما نجحت في تقديم مجموعة من الافلام الرائعة، التي كونت فيها ثنائيا مع المخرج فطين عبد الوهاب، الذي قدمها في افلام منها «كرامة زوجتي» و«عفريت مراتي» و«مراتي مدير عام» وكانت كلها مع الفنان صلاح ذو الفقار الذي كان قد تزوجها عام 1965 بعد قصة حب عنيفة استمرت حتي انفصالهما عام 1972.
كما قدمت فيلم «نصف ساعة زواج» مع الفنان رشدي اباظة. الطريف ان شادية برعت في اللون الكوميدي وتميزت فيه ببساطة الاداء والاعتماد على الموقف لانتزاع الضحك من أفواه الجماهير، إلى الحد الذي ما زالت تعلق في اذهان الجماهير بعضا من عبارات رددتها شادية في هذه الافلام. مثل عبارة «حواش.. شيلني يا حواش»، التي قالتها في فيلم «عفريت مراتي». وعبارة «دوتوري أوسني» التي كانت ترددها في فيلم «نصف ساعة زواج».
وكان مجيء السبعينات ايذانا بمرحلة جديدة في حياة شادية الفنية حيث قدمت في مطلعها فيلم «نحن لا نزرع الشوك»، الذي نجح بشكل كبير إلى الحد الذي دفعها لتقديمه كمسلسل اذاعي بعدها. كما قدمت في هذه الفترة فيلم «الشك يا حبيبي»، الا ان ظهور نجمات جدد بمعايير تناسب تلك المرحلة، كان دافعا لشادية للابتعاد عن السينما التي رحبت بالجيل الجديد من النجمات، ومنهن نجلاء فتحي وميرفت أمين. لتختفي شادية عن الشاشة الفضية لسنوات طويلة. وتعود بعدها في عام 1984، وتقدم فيلم «لا تسألني من أنا» - وهو آخر أفلامها- مع حسين كمال وقدمت فيه شخصية أم تضطرها ظروفها للتنازل عن طفلتها الرضيعة لإحدى السيدات من الاثرياء. وشاركها بطولة الفيلم عدد من النجوم الشباب في وقتها على رأسهم يسرا وهشام سليم والهام شاهين وفاروق الفيشاوي.
وفي نفس العام قدمت شادية مسرحية «ريا وسكينة»، التي تشاركت بطولتها مع الفنانة سهير البابلي والراحل عبد المنعم مدبولي وأحمد بدير. واستمر عرض المسرحية لفترة طويلة حققت فيها نجاحا مبهرا، وكأنها اعتادت الوقوف على خشبة المسرح طيلة حياتها الفنية.
وفي عام 1986 أحيت الفنانة شادية الاحتفال بالمولد النبوي، وغنت اغنيتها الأخيرة «جه حبيبي وخد بإيدي»، وكانت من كلمات الشاعرة علية الجعار. وتساقطت دموعها اثناء الغناء، وعاشت حالة من الوجد الذي جعل الجمهور يصفق لها مع انتهائها من كل مقطع. ولتقرر بعدها اعتزال الفن وارتداء الحجاب.
وكما كانت شادية رائعة في التمثيل، كانت رائعة في الغناء، ونجحت في تقديم لون مختلف في الغناء
بصوتها الناعم وبأسلوب مختلف عما كان سائدا وقت ظهورها، ويؤكد الموسيقيون على ان الفنان محمد فوزي، الذي قدمت معه شادية فيلم «العقل في اجازة»، كان المشجع الاول لصوت شادية ورسم لها الخريطة التي سار عليها فيما بعد الملحنون الذين تعاملت معهم. ومن بينهم منير مراد ومحمود الشريف.
وبعد كل هذه السنوات، تبقى شادية واحدة من أبرع الفنانات اللاتي ظهرن على الساحة الفنية العربية، حتى ان البعض صنفها كأفضل ممثلة في القرن الماضي، نظرا لقدرتها على الأداء المتنوع المتلون، الذي لم تجده غيرها. فقدمت الفتاة البسيطة، وبنت الليل، والام والفتاة الشعبية، والزوجة الخائنة، والكوميديانة القادرة على انتزاع الضحكات. وحتى عندما اتخذت قرار الاعتزال والابتعاد عن الساحة الفنية، أجادت ذلك الدور، مفضلة حفظ خزينة ذكرياتها في حافظة الزمان.
"لأننى فى عز مجدى أفكر فى الإعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرنى الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويداً رويداً ... لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز فى الأفلام فى المستقبل بعد أن تعود الناس أن يرونى فى دور البطلة الشابة .. لا أحب أن يرى الناس التجاعيد فى وجهى و يقارنون بين صورة الشابة التى عرفوها و العجوز التى سوف سيشاهدونها .. أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لى عندهم و لهذا فلن أنتظر حتى تعتزلنى الأضواء و إنما سوف اهجرها فى الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتى فى خيال الناس"