|
|
تحقيق- دعاء وجدي |
"مترو الأنفاق" من أكبر مشاريع البنية التحتية في مصر، وساهم بدور حيوي في حل مشكلة المشكلات في القاهرة الكبرى، وهي الاختناقات المرورية منذ إنشاء أول مراحله عام 1982، فضلاً عن أنه رحم المواطن المصري من بلطجة سائقي الميكروباص وزحمة الشوارع. وبعد حالة انضباط دامت عدة سنوات، تدهورت الخدمات المتميزة التي يقدمها جهاز المترو للركاب خلال الفترة الأخيرة، وتعدَّدت أعطاله وحوادثه، وفقدت مدةُ تقاطر المترو انتظامها الذي اعتاد عليه المواطنون فضلاً عن انعدام التهوية. كما أصبح مجرد العبور من إحدى ماكينات التذاكر تجربةً لا تُحمَد عواقبها، بالإضافة إلى التعامل غير اللائق من صرَّافي التذاكر، وانسداد مخارج محطات المترو بالباعة الجائلين؛ وصار كل ما سبق سيناريوهات يومية متكررة.
<table style="WIDTH: 218px; HEIGHT: 156px" borderColor=#e5f1ff width=218 align=left bgColor=#e5f1ff border=0><tr><td width="100%"> </TD></TR> <tr><td width="100%">مترو الأنفاق يعاني الكثير من المشكلات!!</TD></TR> |
</TABLE>وكنتيجة طبيعية لتأخر مواعيد قطارات المترو، واختلال مدد التقاطر، وخاصةً في ساعات الذروة صباحًا ومساءً، أصبح تكدُّس المواطنين على الأرصفة في هذه الأوقات علامةً من علامات المترو المميزة؛ حيث يتكدَّس الركَّاب؛ وحين يأتي القطار متأخرًا كعادته يضطر الركاب إلى ارتياده، على الرغم من أنه جاء مكدَّسًا بركَّاب آخرين.
البعض يستطيع "حشر" جسده بين الركاب، والنفاذ إلى داخل العربة، والبعض يعلَّق على الباب، وقد يغلق عليه وسط صراخ المحيطين؛ فيتدخَّل أحد المارَّة مسرعًا ومستخدمًا عضلاته لإجبار الباب على عدم الانطباق بأنيابه على عظام الراكب العالق.
وفي داخل العربة يستكمل الراكب رحلة العذاب؛ حيث تتعدد حالات ضيق التنفس، واندلاع اشتباكات بالأيدي قبل الألسنة بين الركاب؛ نتيجة الزحام الشديد.. ليخرج المواطن مطحونًا دون أن يأبه أحد من المسئولين بما عاشه في رحلته اليومية بالمترو.
مهزلة!
يقول محمود المنوفي (ملاحظ بمحطة أنور السادات): إن أكثر ما يعاني منه المواطنون هو عدم وجود دورات عامة للمياه في المحطات؛ حيث توجد اثنتان فقط في كل محطة، ومخصصتان للمهندسين والعمال فقط؛ وقال إنه يشعر بمعاناة الناس، خاصةً مرضى السكر منهم، وإنه اضطر أكثر من مرة لاصطحاب مرضى سكر لدورة المياه، وكان منهم سيدات واضطر في كل مرة يصطحب فيها امرأة أن يستدعي "عسكري" معهما؛ الأمر الذي وصفه محمود بالمشقة على المواطنين والعمال معًا.
وتقول صفاء مهند (موظفة) إنها تخرج كل يوم للعمل وأكثر أعبائها في الحياة هي تلك المدة التي تقضيها في المترو؛ حيث تختنق وتُستشهد عشرات المرات، وتنتظر لحظة الخروج من "العلبة الصفيح"؛ تقصد عرب المترو، وتضيف صفاء أن أبسط حقوق الإنسان أن يجلس في عربات جيدة التهوية؛ وتعجَّبت من نظام التهوية في العربات الذي يتمثَّل في "شفاطات" تسحب الهواء الساخن من النفق لداخل القطار.
وتقول صفاء: "سبق وأجرى المسئولون في المترو استطلاعًا للرأي حول مشاكل المترو وإمكانية رفع سعر تذكرة بعض العربات في مقابل أن تزوَّد بخدمة مكيَّفة، ولكن الأغلبية رفضوا لأنهم رأوا أن هذا جزء من مقدمات لرفع أسعار تذاكر المترو بشكل عام".
وترى أمل رشوان (موظفة) أن أخطر مشاكل المترو هي التسوُّل؛ حيث يمارس المتسولون داخل القطار طريقة الاستعطاف والتسول داخل العربات، وأكدت أن خط حلوان تحوَّل إلى "أتوبيس نقل عام" أو رصيف في العتبة، وتساءلت أمل: كيف يمر هؤلاء على مرأى ومسمع من مشرفي الغرامات الذين أرهقونا ليل نهار على أرصفة المحطات؟!
ويشير علاء النوبي (موظف) إلى ظهور حالة من عدم الانضباط في المترو؛ حيث يمكن لأي شخص أن يركب المترو حتى لو كان يحمل معه أنبوبة بوتاجاز، ولن يجد أحدًا يعترض طريقه أو يتحدث معه، في الوقت الذي يعاني فيه الركاب من تعسُّف شديد من المشرفين والشرطة فيما يتعلق بتحصيل الغرامات لأتفه الأسباب، رغم أن الأولى من جمع الغرامات هو الحفاظ على الأمن والنظام داخل المترو.
قفزة شيخ
ويحكي عم صلاح عاصم، الذي ركب خطأً بإحدى عربات السيدات، ما حدث له داخل محطة جمال عبد الناصر قائلاً: "عند مروري من بوابات المترو داخل المحطة وجدت أن كل البوابات التي ندخل فيها التذكرة معطَّلة، فاضطررت إلى وضع التذكرة فوق البوابة والقفز من أعلاها، وفجأةً وجدت أحد المراقبين يمسك بي ويطلب دفع غرامة 10 جنيهات، فقلت له ماذا أفعل؟ المشكلة لديكم أنتم، فانعدام صيانة الأجهزة هي السبب، وأنا اضطررت للقفز من فوق الجهاز بسبب العطل الموجود، لكنه لم يتفهَّم ذلك وأصرَّ على موقفه، وهددني إما الدفع أو عمل محضر يزيد على 100 جنيه!.
ويقول أحمد جعفر (طبيب): إن أكثر ما يثير تعجُّبه هو عدم وجود أطباء في محطات المترو؛ وقال إنه تعرَّض أكثر من مرة حين انتقاله بالمترو لنداءات عبر ميكرفونات المترو تطلب من أي طبيب أو طبيبة بين الركاب التوجُّه فورًا لمكتب معاون المحطة، وإنه أسرع في كل مرة لتلبية النداء ليكتشف أن كل محطات المترو لا يوجد بها حجرة إسعاف إلا أربع محطات هي: شبرا الخيمة؛ الدقي؛ رمسيس؛ عزبة النخل، وهذه الوحدات الإسعافية الأربع لا يوجد بها طبيب واحد؛ والقائم بالرعاية الطبية فيها هو مسعف وليس طبيبًا، وكل إمكانياته هو تقديم القليل من الإسعافات الأولية.
وتؤكد نجوى حسان أن سائقي المترو أفراد غير مسئولين، ولا يشعرون بمعاناة الركاب؛ حيث يتوقف بعض سائقي المترو في كل محطة في اتجاه المرج، سواءٌ في محطة كوبري القبة أو منشية الصدر أو الدمرداش أو غمرة، وعلى طول الخط مدة تتراوح بين 10 إلى 15 دقيقةً، ولا نعرف أين يذهب السائق؛ ونخرج من العربة وندخل مرةً أخرى دون أمل في السائق، وتضيف أنها رأت السائق أكثر من مرة نائمًا في كابينة القيادة!!.
وفي هذا يجيبها محمد عباس (سائق مترو) ويقول: إن الخط الثاني للمترو (شبرا- المنيب) يتمتع بما يُعرَف بالتحكم المركزي في القطار عن طريق الكمبيوتر؛ أي أن الكمبيوتر يمكن أن يقوم بمهام السائق كلها، ويكتفي السائق بمهمة فتح وغلق الباب؛ والكمبيوتر يستطيع أن يهدِّئ السرعة في الملفَّات ويقف وحده ويزيد السرعة في أوقات الذروة.
وأضاف أن السائق فقط يضغط على زرّ يضيء أحمر حتى يتحرك القطار ثم ينطفئ "أوتوماتك"، وتنتهي مهمة السائق حتى يقف القطار مرةً أخرى من خلال تحكم الكمبيوتر، وفي هذه الأثناء يستطيع السائق أن يأخذ قسطًا من الراحة أو يصلي في الكبينة.
كوارث عربة السيدات
<table style="WIDTH: 218px; HEIGHT: 156px" borderColor=#e5f1ff width=218 align=left bgColor=#e5f1ff border=0><td width="100%"> </TD>
<td width="100%">نقل عربتي السيدات لمنتصف المترو أحدث حالة من الارتباك</TD>
</TR></TABLE>وترى رشا محمد أن نقل عربة السيدات من أول القطار إلى آخرها أثار الاضطراب؛ فنجد الرجال يخطئون العربة أو يدَّعون ذلك ويركبون معنا، وعندما نتحدث إليهم ونطلب منهم النزول يهاجموننا بوابل من العبارات والافتراءات، وفجأة نجد أنفسنا في مناظرة اجتماعية حول طلب المرأة للعمل ووجوب تحمُّلها ناتج طلبها.. كل هذا دون أن ينزل الراكب أو يهتم بمطالب السيدات، ودون أن يعاقبه أحد.
وتقول شيماء: أنا بكيت عندما ركب أحد الأفراد عربة السيدات، وطلبت منه النزول، إلا أنه وأصدقاءه أرهبونني بصوت جهوري وهدَّدوني إن لم أصمت فلن يمر يومي بسلام.
ولاء محمد شابة تحمل حقيبة سفر كبيرة تدخل المترو وتفتح حقيبتها على الأرض وتخرج منها من كل صنف ولون وتبيع، فنجد معها أدوات الزينة والحلوى وحتى الملابس الداخلية.. تقول إنها تحرص على ممارسة نشاطها داخل عربات المترو؛ حيث السيدات فقط والعاملات اللاتي لا يجدن وقتًا للتسوُّق، وتقول إن أفضل مكان مارست فيه عملها هو عربة سيدات المترو.
أما فاطمة أحمد فتقول: أجمل ما قد تراه في عربة السيدات هو ذلك التديُّن الذي يُضفي جوًّا من الألفة والأمان؛ فتقول إنها تدخل وترى المسلمات وجوارهن المسيحيات كلهن يحمل كتابه (القرآن والإنجيل) ويقرأن فيه، وحين يفرغ مكان تسرع كل سيدة لاستيعاب أختها في الوطن جوارها؛ ويكون أجمل مشهد لامرأتين من دينَين مختلفين متجاورتين تتعبَّدان في عربة المترو.
وعلى الجانب الآخر تقول نسمة: إن أسوأ ما قد تراه في عربة السيدات هو فتاة وشاب يركبان معًا ويستفزان الجميع، فضلاً عن الباعة الجائلين، وبعض النساء الذين يتَّسمن باللسان السليط؛ فتروي أنها شاهدت أكثر من مرة "خناقة ستات" في قلب العربة، وفي إحداها انهالت امرأة على أخرى بالضرب، ولم يستطع أحد إبعادها واستمر المشهد 3 محطات متتالية حتى استغاثت الراكبات بأمن المحطة فدخل عسكري ولم يستطع إيقاف الضرب، ولم ينتهِ المشهد إلا عندما تدخَّل رجلان من المارَّة، وحملا المرأة خارج العربة، تاركَين الأخرى مصابة في الأرض.
لعنة حلوان
وفيما يبدو أن اتجاه حلوان أصابه شيء مما يمكن أن ندعوه بـ"لعنة الحوادث"؛ حيث تكثر فيه المشاكل والحوادث، ولعل أبرزها حادث مترو حلوان الشهير الذي أسفر عن إصابة 34 شخصًا لدى اقتحامه الرصيف؛ حيث كشفت التحقيقات أن سائق المترو (ويدعى محمد سليمان فرحات والبالغ من العمر 48 عامًا) ترك غرفة القيادة وتوجَّه إلى العربة الأولى للركَّاب؛ حيث اشتبك في شجار مع بعض الصبية الذين كانوا يطرقون بشدة على باب غرفة القيادة.
وأخيرًا ومنذ أيام نشب حريق ببعض المحلات التجارية القائمة بسور محطة مترو حلوان، وكالعادة طمأن المسئولون المواطنين واستهتروا بالواقعة؛ لعلهم ينتظرون حريقًا آخر يمتد على طول الخط؛ فضلاً عن مشاكل المحطات التي تُهدَم ويعاد بناؤها دون مراعاة لحركة السير والمواطنين؛ فضلاً عن تاريخ خط حلوان في الموت تحت عجلات عرباته؛ تلك اللعنة التي لم تبعد عن محطة الدقي؛ حيث مات تحت عجلات عرباتها في فبراير الماضي شاب عمره 25 عامًا، وبغض النظر عن كونه مات نتيجة انتحار أو إهمال إلا أن السبب كان عجزه عن دفع غرامة المترو.
صورة وردية
<table style="WIDTH: 218px; HEIGHT: 156px" borderColor=#e5f1ff width=218 align=left bgColor=#e5f1ff border=0><td width="100%"> </TD>
<td width="100%">المسئولون عن جهاز مترو الأنفاق في وادٍ آخر!!
</TD>
</TR></TABLE>وكأنه يعيش في كوكب آخر ولا يبالي بكل ما يحدث، نفى أحمد عبد الهادي من إدارة الإعلام والعلاقات العامة بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق كلَّ الاتهامات الموجَّهة، وأخذ يتحدث معنا عن خططهم المستقبلية للتطوير، وقال إن مشكلة الزحام في قطارات مترو الأنفاق ترجع للإقبال الشديد من الجمهور على ركوب المترو؛ حيث إنه أسرع مواصلة والأكثر أمانًا، والمواطنون يفضلونه عن أي وسيلة مواصلات أخرى.
وأكد عبد الهادي أن إدارة المترو تتصدَّى لظاهرة الباعة الجائلين؛ حيث يتم قيام حملات مكثفة داخل القطارات والمحطات يوميًّا بمعرفة إدارة التفتيش والرقابة بجهاز المترو والتعاون مع شرطة مترو الأنفاق لمحاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها، وأيضًا تمَّ عمل إعلانات بالدوائر التليفزيونية المغلقة الموجودة على الأرصفة بعدم التعاون معهم قطعيًّا وإطلاقنا شعار "لا تشترِ من متجول ولا تعطِ متسولاً"، ويناشد عبد الهادي ركَّاب المترو بعدم التعاون مع الباعة والمتسوِّلين.
ويقول م. فتح الله (موظف بالمترو): إن أكثر المشكلات التي يعانيها موظفو المترو هو عدم وجود تصنيف وظيفي للعاملين، فالمترو يضم أقسامًا كثيرة؛ مثل قسم التشغيل وقسم الإدارة وقسم الصيانة وقسم الاشتراكات والتذاكر وغيرها؛ ولا يوجد تصنيف للعاملين بهذه الأقسام؛ مما يهدر حقوقهم ونقلهم نقلاً تعسفيًّا بين الإدارات والأقسام دون وجه حق.
وأضاف أن موظفي المترو يتم تعيينهم إما بشهادة دبلوم التجارة أو بشهادة الثانوية العامة؛ و"لكنْ هناك الكثير من الموظفين الحاصلين على مؤهلات عليا قبل أو أثناء العمل؛ حيث إن أصحاب شهادات الجامعة المفتوحة رفعوا دعوى وطالبوا بالتسوية الوظيفية، وحكمت لهم المحكمة بها؛ وتبقى المشكلة قائمة لنا نحن صغار الموظفين الذين نعمل من 15 عامًا في مواقعنا الإدارية؛ حيث إنه بعد رفع المتظلِّمين لوظائف (محاسبين؛ مفتشي خط؛ مفتشي نقل) حدثت ثغرة وفراغ في أماكنهم، وفي المقابل تريد إدارة هيئة المترو نقلنا نحن مكانهم على شبابيك التذاكر وفي الأعمال الاحتكاكية برواد القطار".
</TR>