انتزاع الفتوي لن يفيد

مطلوب اجتهاد جماعي.. لحسم التأجيل
بعد تزايد سقوط ضحايا انفلونزا الخنازير.. تعالت الاصوات المطالبة بتأجيل الحج والعمرة استنادا إلي ان اداء شعائره يستلزم تجمعاً مختلف الاجناس والاوطان في مكان واحد مما يشكل بيئة خصبة لتوطين المرض وتعميق انتشاره ولأن المشكلة ذات شقين ديني طبي فقد امتنع معظم الفقهاء عن اصدار فتوي صريحة بإلغاء الحج والعمرة رغم المحاولات المستميتة لانتزاعها فإلغاء ركن أساسي من أركان الاسلام ليس بالأمر الهين ولا يمكن الافتاء به إلا بناء علي خطوات مدروسة بدقة وعناية.. في التحقيق التالي نستعرض رأي الدين والطب معا في آخر ما آلت إليه أوضاع انفلونزا الخنازير وتأثيرها علي الحج والعمرة.
* الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة السابق يوضح ان هناك بعض المعلومات الأولية عن مرض انفلونزا الخنازير ينبغي أن يدركها كل مواطن فالخنازير مستودعات لجميع الفيروسات بحيث تحمل داخلها انفلونزا الطيور والانفلونزا العادية التي تصيب البشر بالإضافة إلي الفيروس الجديد "H1N1" ولكن تأثير مرض انفلونزا الخنازير اقل ضررا من انفلونزا الطيور حيث يؤدي إلي وفاة 4% فقط من المصابين بالمرض بينما تؤدي انفلونزا الطيور إلي اصابة 100% من المصابين به وفي الرابع والعشرين من شهر ابريل الماضي أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن انتقال انفلونزا الخنازير من البشر إلي البشر ووقتها لم تحدث وفيات وكان علاج المرض عملية بسيطة ثم ظهرت حالة من الهلع بالمكسيك بعد ظهور حالات مرضية بها اعقبها اجراءات احترازية مشددة ونتيجة عدم إغلاق الحدود انتشر مرض انفلونزا الخنازير وسمي وباء جغرافيا حيث تراوحت نسبة وفيات البشر المصابين به بين 40% 60% ورغم ذلك مازال المشهد العام لانفلونزا الخنازير مطمئنا أما بالنسبة للعلاج فهو في الغالب يقتصر علي علاج الأعراض ولا يمتد ليشمل علاج الفيروس نفسه. أما الفيروس فله علاج يتم أخذه خلال 48 ساعة من الاصابة بالمرض لكنه ليس تطعيما أو مصلا ويضيف: الخطورة الحقيقية لمرض انفلونزا الخنازير ان موسم الحج والعمرة له مواصفات خاصة من حيث الزحام ووجود خليط من البشر من كل انحاء العالم مما يزيد من فرص انتقال العدوي نتيجة الاختلاط والتزاحم حيث تزداد امكانية سجود أكثر من شخص علي نفس السجادة مثلا وغيرها من الحالات التي تزيد انتشار العدوي لذلك فنحن ندعو لعدم تكرار الحج ومن اداه مرة فليكتفي بها لتقليل التكدس والحد من فرص انتشار العدوي.
رؤية فردية
* يري الدكتور محمد نبيل غنايم استاذ الشريعة الاسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ان امراض انفلونزا الطيور والخنازير لم تصل بعد الي المرحلة الخطيرة التي تستدعي القول بتأجيل الحج أو العمرة ولم نسمع عن شئ من هذا القبيل بالمملكة العربية السعودية أو غيرها من الدول خاصة ان هناك احتياطات صحية عديدة يتم اتخاذها في المطارات والموانئ وغيرها لمراقبة حركة الدخول والخروج كما تم علاج الكثير من الحالات المصابة وشفيت ان لم تكن في طريقها للشفاء وتأجيل الحج والعمرة أمر خطير جدا يحتاج لاجتهاد جماعي واجتماع المجامع الفقهية ولا يحتمل فتوي فردية فلدينا في مصر مجمع البحوث الاسلامية وهناك مجمع الفقه الاسلامي والمجمع الفقهي الدولي ورابطة العالم الاسلامي ومنظمة المؤتمر الاسلامي وكلها تضم نخبة من علماء العالم الاسلامي والذين من المؤكد ان فتواهم ستكون اكثر صوابا من الاجتهاد الفردي. أما في حالة ما إذا اشتد الخطر وازدادت حدة المرض فرؤيتي الفردية هي جواز تأجيل العمرة والحج سواء بالنسبة لمن أداها سابقا وقد طرحنا هذه المسألة من قبل وطالبنا بتوفير نفقات التكرار في الحج والعمرة وتوجيهها إلي اعمال الخير أو حتي بالنسبة لهم يؤدي الفريضة أو العمرة لأول مرة يجوز له ايضا أن يؤجل وهناك فرق بين الجواز والوجوب وسندي في ذلك هو الحديث النبوي الشريف "لاضرر ولا ضرار" والذي نستمد منه قاعدة فقهية كبري وهي "الضرر يزال" كما ان هناك حكما شرعيا أقره الامام الشافعي وهو وجوب الحج علي التراخي وليس علي الفرضية بمعني انه لا يشترط الفورية في الحج بدليل فرض الحج علي النبي صلي الله عليه وسلم في السنة السابعة بينما لم يحج إلا في السنة العاشرة وهي الحجة الوحيدة للرسول صلي الله عليه وسلم "حجة الوداع"
جهات الاختصاص
* الدكتور صفوت حجازي الداعية الاسلامي وعضو المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة: تحدث رسولنا الكريم عن الاوبئة في حديث يعد من اعجازاته وهو حديث متواتر يقول فيه "إذا سمعتم بأرض فيها وباء فإن كنتم إليها فلا تدخلوها وان كنتم فيها فلا تخرجوا منها" وفي العام السابع عشر من الهجرة ظهر أول طاعون شهده المسلمون بعد الاسلام والذي اودي بحياة 20 مليون مسلم من المجاهدين في الشام ومن اشهرهم سيدنا معاذ بن جبل وابي عبيدة بن الجراح وقد سافر سيدنا عمر بن الخطاب إلي الشام في العام السابع عشر للهجرة في ثاني سفره له مع وفد من اصحاب رسول الله فأخبروه بوجود الوباء في الشام وألحوا عليه أن يرجع لكنه قرر أن يدخل فلم يكن قد سمع بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد ولأن عادته الاستشارة فسأل المهاجرين والأنصار فلم يفصلوا في الأمر فتوجه إلي أهل الاختصاص في مشيخة قريش وكان من بينهم علماء بالطب فقالوا بالعودة إلي المدينة وأقر بذلك عبدالرحمن بن عوف فقال عمر: أأحد سمع هذا الكلام غير بن عوف. فقال أبوهريرة: أنا سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه وسلم مع أنس بن مالك فاستقر عمر علي العودة إلي المدينة المنورة فقال له أبوعبيدة: أنفر من قدر الله؟ فقال له عمر: لو قال غيرك لكان لي معه شأن آخر "انما نفر من قدر الله إلي قدر الله".
ويؤكد الدكتور صفوت حجازي علي ان الطب يعتبر موت 4% من المصابين بأنفلونزا الخنازير ليس بالوباء كما ان منظمة الصحة العالمية لم تطلب غلق الحدود أما لو تفشي الوباء فلتصدر الفتوي من الجهات المسئولة وهي المجامع الفقهية المتخصصة ورأيي في ذلك ان المجامع الفقهية في السعودية هي الأحق بإصدار القرار تبعا لقدرة حكومتهم علي السيطرة علي الموقف..