التمويل التعاونى - الجزء الأول-

مدخل إلى الفكر التعاونى ومشروعات النفع العام
الثورة الصناعية وظهور الأفكار التعاونية
*من الحقائق التى كشفت عنها تجارب القرن التاسع عشر فى أعقاب الثورة الفرنسية التى نشبت فى عام 1798 و بعد أن تبلورت مبادىء الثورة فى شعاراتها الثلاث ( الحرية والمساواة والإخاء ) .
*ثم قيام الثورة الصناعية بعد ذلك فى انجلترا وما اقترن بهذه الثورة الصناعية من أنواع الإستغلال بالإضافة إلى مظاهر نمو الثورة فى أيدى القلة وانتشار الفقر بين الكثرة وانحسار الأمن الإقتصادى واستغلال عمل النساء والأطفال إلى أقصى حد .
*بينما ألقت طرائق الإنتاج الجديدة بالرجال فى حضيض البطالة فزاد تنافس المتعطلين للحصول على حقهم فى العمل فهبطت الأجور إلى مستوى شديد الإنخفاض وتدهورت مستويات المعيشة فى أكثر من مجال من المجالات فى المدن الصناعية العشوائية التى تتنافى فيها أبسط المبادىء الصحية .
*وفى غضون ذلك خلق النظام الإقتصادى الجديد فلسفة خاصة به وأنشأ مبدأ جديد هو أن يعمل الإنسان لنفسه ...وهدف هذا المبدء هو الرغبة فى الكسب وقيل أنه لو ترك لكل إنسان حرية السعى لمصلحته الشخصية من ناحية الكسب النقدى لأدى ذلك إلى زيادة ثروة الأمة ككل إلى أقصى حد مستطاع وتحقيقاً لذلك يجب أن تمتنع الدولة على وجه الخصوص عن التدخل فى الأنشطة الإقتصادية المباشرة .
أن الثروة الصناعية كانت لها انعكاسات سلبية سواء اقتصادية أو اجتماعية على الطبقة العاملة تمثلت فى الآتى :
1 - انتشار البطالة
2 - إنخفاض الأجور وبالتالى انخفاض الدخل ومستوى المعيشة
3 - تشغيل الأطفال فى سن 6 سنوات وعدم ذهابهم إلى المدارس وانتشار الأمية والجهل
4 - تشغيل النساء والأطفال لمدة تصل إلى 16 ساعة يومياً وفى ظروف غير صحية مما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة
5 - ظهور طبقة جديدة فى المجتمع وهى الطبقة الرأسمالية والمتحكمة فى مقدرات المجتمع
6 - استعمرت الدول الصناعية الدول الأخرى لتصريف المنتجات وبحثاً عن المادة الخام
الفكر التعاونى وسبيل الإصلاح :
*تكتل العمال وشكلوا النقابات العمالية للدفاع عن مصالحهم وتحسين أحوالهم ولكن كان صوت النقابات ضعيفاً
*قامت الحكومة بصرف الإعانات للعاطلين ولكن ذلك لم يحل المشكلة
*قام بعض المصلحين الإجتماعيين بطرح واقتراح مجموعة من الأفكار الجديدة لتحسين أحوال العمال ومن هنا ظهرت الأفكار التعاونية نتيجة لمساوىء الثورة الصناعية
*إن الأفكار التعاونية تختلف من دولة لأخرى حسب الظروف الكائنة فى كل دولة من الدول
* فقد ظهر فى مجال التعاون الإستهلاكى فى انجلترا على يد روبرت أوين / د . وليم كينج / وليم تومسون
* وفى مجال التعاون الإنتاجى والحرفى فى فرنسا على يد سان سيمون / شارل فورييه / لوبى بلان
* الفكر التعاونى فى مجال الإئتمان والإقراض ظهر فى ألمانيا على يد شولتز / رايفيزن
* وعلى الرغم من فشل غالبية الأفكار التى طرحها هؤلاء الرواد إلا أنهم يرجع الفضل إليهم فى إظهار الفكر التعاونى وكذلك فإن كل رائد منهم سواء نجحت أفكاره أو فشلت فقد أضاف لمن سبقه وبهذا تطورت الأفكار التعاونية حتى وصل النظام التعاونى لما هو عليه الآن
الحركة التعاونية كارتل المستهلكين
قال العديد من الإقتصاديين فى انجلترا عن الحركة التعاونية أنها كارتل المستهلكين وعنوا بذلك أنها قادرة على الإنتاج وتجديد الأسعار والتسويق
تطورات التعاونيات فى بريطانيا ومنشآت النفع العام
* إن التطبيق العلمى للحركة التعاونية الإستهلاكية فى انجلترا يتضمن كل أنواع النشاط التجارى تقريباً وتقوم به جمعيات التوزيع بالتجزئة وخلفها تقف المؤسسات الأعلى التى على رأسها جمعيات الجملة ورأس المال اللازم لتمويل جمعية الجملة يأتى من جمعيات التجزئة التى أثبتت أنها ليست مجرد منشآت للمتاجرة بل هى أيضاً مؤسسات ادخار تشجع التعاونيين على استثمار مدخراتهم فيها
* استثمرت جمعيات التجزئة 70 % من استثماراتها الخارجية فى مشروعات تعاونية أهمها مشروعات جمعيات الجملة
* وتهدف جمعيات التجزئة إلى التعامل مع منشأة واحدة تأخذ منها البضائع وتقدم لها الخدمات وتقبل الودائع النقدية وتمسك مجموعة واحدة من الحسابات لجميع هذه المعاملات وهذا ما قامت به جمعية الجملة
* أنشأت جمعية الجملة إدارة مالية رئيسية مسؤلة عن بنك جمعية الجملة ووضعت ترتيبات حتى تضع جمعيات التجزئة أموالها كمدخرات فى نهاية كل يوم عمل فى الفرع المحلى للبنك التابع لجمعية الجملة بالإضافة إلى فائض الأموال فى جمعية تجار الجملة
* أصبحت جمعية تجار الجملة أكبر جمعية جملة فى أوروبا بأسرها ومن هنا نستطيع أن نؤكد أن البنك التعاونى الذى تملكه الحركة التعاونية البريطانية يعتبر من أنجح المشروعات التى أقامتها الحركة والذى أنشىء من الإدارة المصرفية التى كانت إحدى إدارات جمعية الجملة وقد أصبح هذا البنك يحتل المركز الخامس بين أكبر بنوك انجلترا ويعتبر الآن من أهم مشروعات النفع العام .

ظهور فكرة التعاون فى ألمانيا - نشأة الائتمان التعاونى و تطوره
* نشأت فكرة الائتمان التعاونى منذ عام 1847 حين اشتدت الأزمة الإقتصادية ثم اصبحت حقيقة ملموسة خلال السنوات التالية حتى تبلورت على صفحات الكتاب الذى أصدره فردريش فلهم رايفيزن ( 1818 - 1888 ) عن جمعيات الائتمان التعاونى بعنوان " جمعيات الائتمان كوسيلة لعلاج أزمة سكان الريف و الحرفيين والعمال فى الحضر " وضمنه أفكاره الأساسية عن المساعدة الذاتية عن طريق التعاون وهى الأفكار التى اعتنقها الآن كافة البشر
*قال رايفيزن فى كتابه " لن يرتاب المسيحيون أبداً فى طبيعة هذه الأهداف الجديدة فالرب يقول اساس الأمر ليس أن تسعى للسعادة الدنيوية الزائلة بل تكافح من أجل القيم السماوية الازلية وهذا طريق المسيح الذى أرانا بتعاليمه وقدرته " فالمجتمع المسيحى الذى يتمسك بفضيلة البر و الإحسان لابد أن يلاقى النجاح بشرط أن يمارسها الناس فى الحياة العملية بطريقة تجعل من الممكن ترقية الأحوال الآجتماعية
* ويقول رايفيزن " إن قامت جمعيات الائتمان على أساس المبادىء المسيحية لأمكنها أن تؤدى تلك الوظيفية بنجاح نظراً لحسن تنظيمها وكفاءتها "
* يرى رايفيزن أن الأمر كله يقع على الروح فهى التى تنتج الأزهار والثمار أما الشكل وحده فلا يكفى لتحقيق النجاح وتنفيذاً للقوى المعنوية القائمة على المبادىء المسيحية التى لا غنى عنها فى حل المشكلات الاجتماعية فيجب على الأغنياء أن ينضموا إلى جمعيات الائتمان حتى تستقر وتنجح بما لهم من أموال تعتبر ضماناً للجمعية وبما لهم من قدرة على القيام بوظائف الإدارة بغير أجر وتقديم رأس المال دون انتظار معدل فائدة مرتفع مما يسهم فى نجاح الجمعية بغير انتظار لنفع شخصى
* إن البر الذى تنادى به الأديان السماوية والإحسان و الصدقات تقوى رابطة الأخوة بين الأغنياء وجيرانهم المحتاجين الذين يقابلون هذا الإحسان بالشكر والعرفان فيسود الود والسلام الاجتماعى
الجمعية التعاونية الاستهلاكية فى فياربوس [ جمعية الخبز ] 46 / 1847 :
* نشأت فكرة التعاون عام 1847 حين اشتدت الفاقة ثم أصبحت حقيقة منتشرة خلال السنوات التالية
*قام رايفيزن مع عدد من المواطنين الموسرين نسبياً بإنشاء جمعية استهلاكية فى شتاء 46 / 1847
*ببلدة فياربوس واستطاعت الجمعية أن تحصل سريعاً على الحبوب والبطاطس ثم أنشئت مخبزاً و نجحت الجمعية بهذه الطريقة فى مساعدة الفقراء من ناحية وفى خفض ثمن الخبز إلى نصف ثمنه المعتاد لجميع السكان من ناحية أخرى ولذا سميت هذه الجمعية ب " جمعية الخير "
*وتشجعت جمعية الخير بما أصابت من نجاح وخبرة فى ميدان النشاط التعاونى فلم تجعل عملها قاصراً على وقت الأزمة بل واصلت جهودها كى ينعم المجتمع بفائدة التعاون وأخذت فى ربيع عام 1847 توزع البذور الجيدة والرخيصة على نطاق واسع واهتمت بتقاوى البطاطس بوجه خاص مما أمكن معه إنتاج محصول وفير فى عام 1847 كما أن الزراع حصلوا على ما يلزمهم من تقاوى وبذور بأسعار رخيصة فلم تثقل عليهم الديون

جمعية فلاميرزقليد للإغاثة :
* أنشئت {جمعية فلاميرزقليد للإغاثة لمساعدة الفلاحين المحتاجين } فى ديسمبر 1849
* وشارك فى إنشائها 60 من أكثر مواطنى البلدة ثراءً
* وجعلت هدفها مكافحة التجارة الربوية فى الماشية وتزويد الفلاحين بالماشية تسدد على 5 أقساط سنوية
* واتضح أن تزويد الفلاحين بالماشية لا يكفى وحده لتحسين الأحوال فى الريف بصفة عامة فقد كان الفلاحون بحاجة للمال لأغراض كثيرة متنوعة مثل شراء المساكن وتحسينها وشراء الأراضى والأدوات والبذور فاتجهت الجمعية لمنح مساعداتها فى صورة قروض نقدية وكان عليها أن تحصل على أموال لتعيد إقراضها
* وبعد جهد أقنعت الجمعية أحد الأثرياء بمنحها قرض قيمته 2000 تيلر ( 1500 دولار ) بعد أن قدم 20 من أغنى المواطنين وأكثرهم احتراماً الضمانات القانونية اللازمة بالتضامن فيما بينهم ومن هنا نشأ مبدأ المسؤلية التضامنية لجميع الأعضاء
* إعترف الجميع بفضل هذا الرجل الغنى الذى منح الجمعية أول قرض ساعد فى استقرار الجمعية مما جعل الأموال تتدفق على الجمعية فيما بعد
جمعية هدسدورف لنفع المجتمع :
* إنتقل رايفيزن إلى بلدة هدسدورف فى خريف 1852 وفى مايو 1854 بعد أن أصبح العمدة فى فياربوش ثم فى فلامرزقليد
*أنشأ جمعية أخرى اسمها { جمعية هدسدورف لنفع المجتمع }
*رسمت الجمعية برنامجاً أساسه إشباع حاجة أعضائها فى المقام الأول وبجانب ذلك ترعى تعليم الأطفال الذين يعانون الإهمال وتهيىء عملاً للعاطلين وتقدم مكتبة عامة
* ولصعوبة تحقيق كل هذه الأهداف أعادت الجمعية تنظيم نفسها فأجرت تعديلات فى نظامها الأساسى عام 1864 بحيث ركزت أعمالها كلها فى ممارسة الإئتمان وحده
جمعية هدسدورف للإئتمان :
* تغير اسم الجمعية منذ 1864 إلى { جمعية هدسدورف للإئتمان }
* بذلت عناية شديدة ومستمرة من أجل إدارة الجمعية والوسائل التى تحسن أحوال الأعضاء برعاية احتياجاتهم المالية والمعنوية واستمر هذا لنحو 8 سنوات حت أثبتت نفعها وجدواها من جميع الوجوه
وبهذا انتشرت الفكرة فى القرى المجاورة وكثر إنشاء الجمعيات المماثلة
* بناءاً على هذا وافقت الحكومة على طلبات وكلاء القصر فى أن يودعوا أموال القصر لدى جمعيات الائتمان كودائع بفائدة من 4 إلى 4,5 %